إن الله سبحانه وتعالى يقيّض لكتاب الله تعالى من يخدمه ويعتني به من النبلاء العظام والرجال الأفذاذ في كل زمان ومكان، ذلك الدور العظيم النابع من الهمّة العالية في مجال الاهتمامات، والرغبة الصادقة في خدمة خير كتابٍ على وجه الأرض، لعلّ أصحابها يدخلون في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) رواه البخاري.
ودولة قطر ليست بمعزلٍ عن هذا الباب العظيم من أبواب الخير وهذا الرافد من روافد الحسنات، فلها جهودٌ ملموسة يشهد بها القريب والبعيد تكشف عن أنشطةٍ جبّارةٍ كانت ولا تزال تُبذل لأجل خدمة كتاب الله تعالى بمختلف الميادين.
يأتي في مقدّم ذلك: الحلم الكبير، والذي أصبح حقيقةً ملموسة يراها الجميع ويفخر بها كلّ من سمع بها ووقف على حقيقتها، فها هو "مصحف قطر" يرى النور بعد أن كان أمنيةً تداعب الخيال، والفضل في ذلك لله سبحانه وتعالى، ثم للعناية الفائقة التي أولاها حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البلاد المفدّى، ولا أدّل على ذلك من المبلغ الكبير الذي بُذل في سبيل تحقيق هذا الحلم، فقد بلغت تكلفة طباعة المصحف المخصص لدولة قطر حوالي خمسة وعشرين مليون ريال قطري، أسهمت في طباعة 750 ألف نسخة من المصحف في أربعة أحجام مختلفة.
ومن مظاهر هذا الاهتمام: مشروع تحفيظ القرآن الكريم، والذي ترعاه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، والناظر في الحلقات المنتشرة على طول البلاد وعرضها يدرك الجهود الجبّارة التي تبذلها الدولة في سبيل دعم مجال حفظ كتاب الله تعالى، بما في ذلك الميزانيّة الضخمة المعدّة لهذا الحقل الدعوي.
وإن الثمرة الحقيقية نراها في الأعداد الكبيرة للطلبة والطالبات من مختلف الجنسيات والأعمار، والمتخرّجون من مناشط التحفيظ، والتي ما كانت لتظهر لولا فضل الله سبحانه وتعالى ثم جهود المخلصين من أبناء دولة قطر، الأمر الذي سيسهم في إعداد الجيل القرآني الذي سيكون بإذن الله ذخراً للأمة.
وفي هذا السياق نجد أن مسابقة الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني لحفظ كتاب الله تعالى تحقّق هذه الغاية النبيلة، وذلك من خلال تشجيعها للناس في مجال إتقان الحفظ وأحكامه، وبما تحييه من روح التنافس الشريف في تحقيق هذا المطلب، ويشارك في هذه المسابقة المواطنون والمقيمون على حدٍ سواء.
وللوزارة اهتمامٌ علمي أكبر وأوسع من مجرّد الإسهام في زيادة عدد الحافظين لكتاب الله تعالى؛ لأن المطلوب هو أن يستنير عقل المسلم وسمعه وبصره بنور القرآن، وربط الأجيال المسلمة بالكتاب العزيز تلاوة وتدبراً وعملاً، ولذلك خصّصت الوزارة مبالغ كبيرة لطباعة الكتب المعنيّة بعلوم القرآن ومجال التفسير، وتوزيع تلك الكتب لأصقاع العالم الإسلامي.
كما تقوم الوزارة مشكورةً بإقامة العديد من المحاضرات الدينيّة والتربويّة والتوعويّة في المساجد والمراكز والمدارس لتقريب المفاهيم القرآنية إلى الناس وربطهم بالآيات؛ حتى يكون لها الأثر الملموس على أعمالهم وسلوكهم.
وإلى جانب ذلك، فإن الوزارة تعمل على استضافة عددٍ كبير من مختلف الشخصيّات القرآنية المشهورة على مستوى العالم، من القرّاء والمفسّرين والعلماء والأئمة وأصحاب الإجازات القرآنيّة، ضمن الفعاليات المختلفة التي تشهدها الدولة طوال العام.
فلله درّ قطر، كم أسهمت في إحياء البيوت بذكر الله تعالى، وكم تسبّبت في إذكاء روح التنافس الشريف لحفظ كتاب رب العالمين وفهم آياته وتدبّر معانيه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.