أي خير يعدل خدمة كلام الباري تبارك وتعالى؟ وأيّ شرفٍ سيناله من يريد أن ينضمّ إلى الكوكبة المباركة التي وضعت نُصب أعينها أسمى الغايات وأنبل المقاصد، ألا وهي الإسهام في نشر القرآن الكريم بين العالمين؟
إن الله سبحانه وتعالى يُدخل بالسهم الواحد ثلاثة لا واحداً، يقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (إن اللَّه يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة: صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرامي به، ومنبله) رواه أبو داوود، فالله لن يضيّع أجر من أحسن عملاً مهما كان عمله يمسّ حقيقة العمل مباشرةً أم كان إسهاماً صغيراً في تحقيق الغاية وتنفيذ المقصد، فالأجر غير محصورٍ على من باشر الدفاع عن المقدّسات، واضعاً روحه على كفّه، وباذلاً دماءه رخيصةً للمعالي، بل الأجر يشمل حتى من قام بصنع بالسلاح المستخدم في هذه المهمّة النبيلة، ويزيد الأمر دقّةً وتفضّلاً من الباري تبارك وتعالى بدخول من يناول -مجرّد المناولة- السلاح للجندي في المعركة في دائرة الأجر والحسنات!، فإذا كان هذا ما نتطلّعه من إلهٍ رحيمٍ كريمٍ لم يزل يفتح لعباده أبواب الحسنات ويوسّع عليهم طرق الخير، فكيف يكون الحال مع من يقوم بطباعة القرآن الكريم وتوزيعه في الأقطار المختلفة؟
إننا نجد فيما صحّ عن المصطفى –صلى الله عليه وسلّم- أنه يقول: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ) رواه مسلم، وهل ثمّة صدقةٌ تجري أكثر من كتابٍ يُقرأ مرّاتٍ ومرّاتٍ على مرّ الأيّام ومختلف الدهور؟
ونجد أن النبي المصطفى -صلى الله عليه وسلّم- يقول في حديث آخر: ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه )، وفي رواية: (إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه ) رواهما البخاري في صحيحه، وهل يكون تعلّم للقرآن وتعليمه إلا من خلال المطالعة لصفحات القرآن الكريم والكتاب المبين؟
ونجد أن سيّد الأنبياء والمرسلين –صلى الله عليه وسلّم- قال: (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة؛ وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) رواه مسلم في صحيحه، ألن تكون الوسيلة العظمى لهذا الاجتماع المبارك، وهذه التلاوة لكتاب الله، وما يحدث من التدارس لآياته، إلا وجود المصحف ماثلاً أمام أعينهم؟
ألا ينتفع كثيرٌ من الناس بوجود المصحف في حفظ القرآن الكريم ليحظوا بالأجر العظيم المذكور في قول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- : ( من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف ، ولكن : ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف ) رواه الترمذي، وبما جاء في الحديث الآخر: (يقال لصاحب القرآن يوم القيامة: اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها) رواه أبو داوود والترمذي؟
وأخيراً: أليس في طباعة المصحف دليل واضح على الرغبة الصادقة في المسارعة للخيرات؟ {أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون} (المؤمنون: 61).
نعم، تلك هي الأسباب الحقيقيّة وراء هذا المشروع العظيم الذي تبنّته القيادة الرشيدة في دولة قطر، وهذا الاهتمام البالغ بتحقيقه على أكمل وجهٍ وأتمّ صورة، وهذا الدعم المشهود لحضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البلاد المفدّى ومباركته لهذا العمل الجبّار، ولأجل ذلك: كان مصحف قطر.