يتساءل كثيرٌ من الناس عند تلاوة القرآن الكريم عن المقصود بالرسم العثماني، والذي لا يكاد مصحفٌ يخلو من الإشارة إلى ذلك خصوصاً في أوّل صفحاته أو آخرها، فما هو المقصود من الرسم العثماني؟ ولماذا يُنسب إلى الخليفة الراشد عثمان بن عفّان رضي الله عنه؟ وهل ثمّة مفارقةٌ بينه وبين الرسم الإملائي الذي يسير عليه الناس في كتاباتهم؟
يجيب أهل العلم عن هذه التساؤلات باستفاضةٍ في الكتب المتخصّصة في علوم القراءات القرآنيّة، ويبيّنون أن الرسم في أصل اللغة: الأثر وحسن المشي، وأما الرسم القرآني فيقصدون به: "الرسم المخصوص الذي كُتبت به حروف القرآن وكلماته أثناء كتابة القرآن الكريم بين يدي النبي –صلى الله عليه وسلم- ، ومن خلال الجمع الذي تم له في عهد أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه في صحائف، والنسخ الذي تمَّ في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه في المصاحف".
وأما الرسم العثماني في الاصطلاح فهو ما يُعرف بأنه: "الوضع الذي ارتضاه الصحابة في عهد عثمان رضي الله عنه في كتابة كلمات القرآن الكريم وحروفه"، وعُبّر عن كذلك بـ: " علمٌ تُعرف به مخالفة خط المصاحف العثمانية لأصول الرسم القياسي".
لكن يبقى في الذهن تساؤلات: لماذا يُنسب هذا الرسم إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه؟ وهل هذه النسبة تعني أنها كانت من اختراعه وابتكاره له؟ وهل هي مخالفة لرسم الحروف في زمن النبي –صلى الله عليه وسلم- ؟
في الحقيقة يعود هذا الاصطلاح إلى المصاحف التي نسخها الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه، وهي المصاحف التي أرسلها إلى الأقطار الإسلامية، وكانت مجردة من النقاط والشكل، محتملة لما تواترت قرآنيته واستقر في العرضة الأخيرة ولم تنسخ تلاوته.
وتعود أسباب هذه النسبة إلى التالي:
أولاً: عثمان رضي الله عنه هو الذي أمر بنقل هذا الرسم ونسخه في المصاحف التي استنسخها ووزعها على الناس في الأمصار وأمرهم بإحراق ما عداها، فهذا التعميم الصادر منه هو الذي ألصق هذه النسبة إليه، يقول الإمام البغوي في ذلك: " المصحف الذي استقر عليه الأمر هو آخر العَرَضات على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ، فأمر عثمان بنسخه في المصاحف، وجمع الناس عليه، وأذهب ما سوى ذلك قطعاً لمادة الخلاف".
ثانياً: أن الرسم الذي تمّ به مصحف عثمان رضي الله عنه له طريقةٌ خاصّة في التوزيع، بحيث يحتمل في رسمه كل القراءات القرآنية المتواترة
ثالثاً: أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قد جمع الناس كلّهم على حرف واحد من الأحرف السبعة التي نزل عليها القرآن، وهو الحرف الذي نزل عليه عامة القرآن الكريم ودُوِّن به، فألزمهم بهذا الرسم الذي كتب به عامة القرآن، وترك لهم رخصة القراءة بغيره بما يوافق الرسم، فيكون عثمان رضي الله عنه قد أبقى لهم القراءة ببقية الأحرف السبعة بما يتوافق مع الرسم، ويوضّح ذلك مكي بن أبي طالب بقوله : «فالمصحف كتب على حرف واحد وخطه محتمل لأكثر من حرف؛ إذ لم يكن منقوطاً ولا مضبوطاً، فذلك الاحتمال الذي احتمل الخط هو من الستة الأحرف الباقية"، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " وسبب تنوع القراءات فيما احتمله خط المصحف هو تجويز الشارع وتسويغه ذلك لهم؛ إذ مرجع ذلك إلى السنة والاتباع لا إلى الرأي والابتداع".