صباح مغديد الأربيلي (من العراق)...
عبيدة محمد صالح البنكي (من سوريا)...
اسمان جمعهما قدرٌ واحد، واشتركا في همّ واحد ومهمة واحدة وأمنية واحدة، لم يكن فيها التطلّع للفوز بشيءٍ من ملهيات الدنيا أو حظوظها، لا الرياضة ولا الفن ولا غيرهما من المجالات، ولكنّه أمرٌ أسمى من ذلك وأكبر، إنه الرغبة الأكيدة في الفوز بشرف كتابة القرآن الكريم.
إنها المرحلة الأخيرة والحاسمة إذن، والتي انتظرها المشاركون وقتاً طويلاً، فقد وُجّهت للفائزين دعوةٌ كريمة من اللجنة المنظمة للمسابقة كي يحضروا إلى الدوحة عاصمة قطر، وكان الهدف من ذلك أمران:
- تقديم عددٍ من الملاحظات الفنيّة والعلميّة للخطاطين الفائزيْن (صباح) و(عبيدة)
- توقيع عقد كتابة المصحف لكل منهما.
وبذلك يكون الاختبار النهائي أكثر صعوبة، فلم يعُدْ مجال الاختبار في خمس صفحات ولا في جزءين فحسب، بل الاختبار انتقل إلى مرحلة كتابة المصحف كاملاً، ثم اختيار الأجود منهما.
كان ذلك في تاريخ 25/6/2003م والموافق 25/4/1424هـ، وتمّ توقيع العقد مع الفائزين بحضور عضو الهيئة أ.د محمد سعيد شريفي، وتقرّر تحديد الفترة الزمنية للكتابة بعشرين شهراً، تليها أربعة أشهر للتصحيح.
وقد خلُصت اللجنة إلى قرارٍ حكيم للغاية، حيث تمّت دعوة كلّ من الخطاطين الفائزين للإقامة بقطر خلال السنتين اللتين سيتمّان فيها من خطّ المصحف، وبذلك يكون المتسابقون على مقربةٍ من المشرفين على المشروع وكذلك من أعضاء لجنة التصحيح، الأمر الذي سيساعد على سرعة الإنجاز واختصار الأوقات، بدلاً من إرسال الأعمال عن طريق البريد والذي قد يكون عُرضةً للضياع أو التزوير أو التشكيك.
وبالفعل فقد استقرّ الخطّاطين في الدوحة، لكنّ الإجراءات التي استلزمت ذلك أخذت وقتاً ثميناً منهما، هي ستّة أشهرٍ كاملة من ترتيب أمور الخطاطين ببلدانهم ومع جهات العمل التي يعملون لديها، فضلاً عن إجراءات الإجازة والموافقة عليها، ثم إجراءات استقدامهما واستقدام عائلاتهما، وتوفير الأجواء النفسيّة الملائمة لهما لينجزا العمل على الوجه الأكمل.
لكنّ هذا الوقت المستقطع ليس بالقليل، وقد يصيب المتسابقين بالتوتّر، وبالتالي التعجّل في التنفيذ والكتابة، وما قد يؤدّيه ذلك بالضرورة من عدم إحكام الخطّ وإظهاره بالصورة المطلوبة، ولذلك قرّرت الهيئة من جديد أن تقوم على تمديد وقت المشروع، ولم يقتصر هذا التمديد على ستّة أشهر –وهي الفترة التي ضاعت في إجراءات الانتقال والاستقرار- بل كان لسنةٍ كاملة.
وبشكلٍ ودّي تمّ إقناع الخطاطين بإعادة كتابة المصحف من جديد ليخرج المصحف في أفضل صورة، وبالفعل، وخلال عام كامل أنجز الخطاطون كتابة المصحف من جديد دون أن يدخل فيه أي جزءٍ ممن تمّت كتابته قبل هذا القرار، وبذلك يكون مصحف قطر قد كتب مرتين رسمياً بالريشة، وبعد هذا التمديد أصبحت الفترة الجديدة لكتابة المصحف تنتهي في 25 يونيو 2006 م.
وفي غرّة شهر الله المحرّم 1428هـ والموافق 20/1/2007م، وبإجماع لجنة التحكيم في الدوحة صدر الحكم النهائي، وتم اختيار إحدى النسختين للطباعة، وهي نسخة الخطاط السوري عبيدة محمد صالح البنكي، وتناقلت الأنباء هذه الأخبار بفرحةٍ عظيمة وذلك لانتهاء هذا الجزء الأهم من مشروع "مصحف قطر".